¤ حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد:
المقصود بحماية النبي صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد هو: حراسة وتحصين حدود التوحيد مِن أن يدخل عليها الشرك، بسبب وسائل الشرك والتساهل فيها -انظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، لصالح الفوزان 1/310.
وقيل: حماية التوحيد عما يقرب منه أو يخالطه، مِن الشرك وأسبابه -القصد السديد على كتاب التوحيد لفيصل آل مبارك ص 73.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا أشد الحرص على أمته، لتكون عزيزة منيعة محقِّقة لتوحيد الله عز وجل، مجانبة لكل الوسائل والأسباب المفضية لما يضاده ويناقضه، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
وقد أكثر صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك، وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم، في حماية الحنيفية السمحة ملة إبراهيم التي بُعِثَ بها، مِن كل ما قد يشوبها مِن الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وهذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فأقام الحجة، وأزال الشبهة، وقطع المعذرة، وأبان السبيل -انظر: أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة لنخبة من العلماء ص 35.
ومن رحمته بأمته وشفقته عليهم، أنه صلى الله عليه وسلم إجتهد في سد كل طريق يوصل إلى الشرك، وحذر وأنذر، وأبدى وأعاد، وخص وعم، وقطع الذرائع والوسائل المفضية إليه، صلى الله عليه وسلم، كما بلغ البلاغ المبين.
ومن حمايته لجناب التوحيد: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعطيل البيوت من صلاة النوافل، والدعاء، وقراءة القرآن، فتكون بمنزلة القبور، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قَبَورًا، فإنَّ الشيطان يَنْفرُ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» رواه مسلم.
وأمر صلى الله عليه وسلم بتحري العبادة في البيوت، فقال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» رواه البخاري، ونهى عن فعلها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من اليهود والنصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة، فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة والدعاء وغير ذلك من العبادات في المقبرة، وإن كان المُصلي لا يُصلي إلا لله، فعبادة الله عند قبور الصالحين تؤدي إلى الشرك وعبادة أصحابها من دون الله، وذلك من البدع القادحة في الدين، وبهذا يتبين لنا كمال حماية الرسول صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد وسده كل طريق للشرك.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن إتخاذ قبره عيدًا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ولا تجعلوا قبري عيدًا» فتكرار زيارته والإجتماع عنده على وجه معتاد لأجل عبادة الله وسيلة إلى الشرك به، فالنهي عام لجميع القبور، لأن قبره صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، ومع ذلك قد ورد المنع من إتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالمنع كائنًا من كان.
وقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على قطع الطرق المؤدية إلى الشرك، فعن علي بن الحسين رحمه الله: أنه رأي رجلاً يجيءُ إلى فرجة -وهي الكوة في الجدار والخوخة ونحوهما- كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا»، وأنكر علي بن الحسين رحمه الله على رجل مجيئه إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله فيها يدعو الله سبحانه، لأن ذلك من إتخاذ قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عيدًا، وفي هذا الفعل مشروعية إنكار المنكر وتعليم الجاهل.
الكاتب: د.عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي.
المصدر: موقع دعوة الأنبياء.